معا لحماية المثل العليا للتصوف السني
قبل عشر سنوات، وتحديدًا في عام 2014، عقدت الزاوية التيجانية في المغرب منتدى دوليًا للطريقة الصوفية في مدينة فاس، شارك فيه مئات المشايخ والمريدين والباحثين من خمسين بلد، تشملُ أغلب بلدان العالم الإسلامي.
إلا أن حصافة الدولة المغربية التي تتبني عادة سياسة رعاية الزوايا، ابتعدت عن التدخل المباشر في شؤون الطريقة ووضعها الداخلي، وهو أمر يُحسب لسلطات تمتلكُ تقاليد عريقة في تدبير الشأن الديني والروحي.
إنَّ هذا النهج يعبر بصدق عن الثوابت السياسية الروحية للمغرب، والعلاقة التي تقيمها الدولة مع كل الزوايا الصوفية داخل المغرب وخارجه.
حين جاءت مبادرة تنظيم المنتدى الدولي للطريقة التيجانية عام 2014 في المغرب، تقبلها الجميع وتجاوب معها، لعدة أسباب من أبرزها أن مدينة فاس هي العاصمة الروحية للمغرب، ومركز الطريقة التيجانية، وفيها يوجدُ ضريح مؤسسها الشيخ سيد أحمد التيجاني.
لقد كان من الطبيعي أن تستقطب المبادرة، مشايخ الطريقة التيجانية في موريتانيا، الذين تعودوا على زيارة فاس والرباط، وغيرهما من الزوايا العريقة في المغرب، إحياء لأواصر وروابط تمتد لقرون طويلة من التبادل العلمي والثقافي والاجتماعي.
ومن المعروف أن أتباع الطريقة التيجانية في موريتانيا ومشايخها حريصون على الولاء لدولتهم، وطالما سعوا لأن يكون التصوف بشكل عام، والطريقة التيجانية بشكل أخص، ركيزة أساسية من ركائز وحدة موريتانيا ولحمتها الوطنية، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة.
لذا لا تجد أبدًا أي أحدٍ من مشايخ الطريقة التيجانية الموريتانيين، أو أي أحد من أصحاب الرأي والمشورة من أهلها، يعملون على إقحام السياسة في شؤون الطريقة، إنهم منشغلون عن ذلك بإصلاح النفوس والسعي في مصالح البشر.
ومن هنا فإن أي محاولة للتشويش على ممارسة مشايخ التيجانية، أو التأثير على سلوك أتباع الطريقة في موريتانيا، تعتبر محاولات مشبوهة ومرفوضة، وذلك ما لاحظناه في مساعي الجزائر لإقحام الطريقة التيجانية في النزاعات السياسية الإقليمية، في سابقة خطيرة من نوعها.
إن محاولة سلطات الجزائر تنظيم زيارة سياسية، ذات أبعاد دعائية وترويجية، لبعض الزوايا الصوفية في موريتانيا، في محاولة واضحة لاستغلال عواطف ومشاعر أتباع الطريقة التيجانية بشكل مقيت ومقزز، وينذرُ بالكثير من المخاطر.
ولعل من أكثر الأشياء التي تثير الاشمئزاز، في مثل هذه المبادرة، هو تنظيم حلقات الذكر في مواقع المجون واللهو التي لا تتناسب مع قدسية وروحانية التصوف السني المستقيم، وإقحام للتصوف السامي في مجالات الترفيه المنحط.
ثم إنه لا شك أن محاولة إقحام الحكومة الموريتانية في هذه المساعي المشبوهة، تهدف لتعكير صفو وسكينة المجتمع الموريتاني المسالم، مجتمعٌ ينعم برعاية قيادته الحريصة على دعم كل المؤسسات الروحية في البلد، دون تمييز أو إقصاء.
لا بد من سد جميع الأبواب أمام الخطر، وهو ما يزالُ في الطريق، والوقوف ضد محاولات إقحام الطرق الصوفية في معترك السياسة، مع الإبقاء عليها كما عرفناها منذ قرون، مدارس كبرى للتربية الروحية والتنشئة الأخلاقية والعمل الإنساني ونشر العلم.
وفي الأخير لا يمكنُ إلا أن نؤكد على أن زيارة زوايا الطرق الصوفية، حين تخلو من الاستغلال السياسي ومن صراعاتها المعقدة، فهي تبقى في النهاية صلة رحمٍ، وخطواتٍ مباركةً نحو الخير، أما حين توظف لأغراض أخرى غير روحية لخدمة أنظمة وحكومات خارجية، فلا خير يرجى منها، ولا مجال للقبول بها، لأن ضررها كبير على أمننا الروحي والاجتماعي.
محمد بن سيدي